JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

سلسلة العلامات الصغرى (العلامة الخامسة : تقارب الزمان)

 ( العلامة الخامسة  : تقارب الزمان )

/ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : }  لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ  {  ([1]
هذا الأثر أوردته هنا كتفسير للمراد بتقارب الزمان ؛ حيث يوضح أن تقارب الزمان يراد به انتقاص الوقت حقيقة بحيث تكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ، واليوم كالساعة .
و وفق مستجدات العلم يمكن تصور ذلك في حال اضطراب حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس ، وهذا الاضطراب غير متزن أي لا يكون على نسق واحد ، فتسرع الأرض في دورانها حول نفسها ، وتسرع أيضا في دورانها حول الشمس ، فبدلاً من أن تدور الكرة الأرضية حول الشمس  ،مرة كل اثنا عشر شهراً ، تقضي هذه المسافة في شهر واحد .
وفي ظني أن النبي r ذكر هذه النسب للتقريب وليس للتحديد ؛ أي أراد النبي r أن يبين للصحابة تغير النسب الزمنية للوقت ، فجاء بمثال يقرب المعنى ، حيث قال السنة كالشهر والشهر كالأسبوع ..إلخ
وهذا التقارب الحقيقي للزمن يعزز ما ذكرت سابقاً في العلامة السابقة من أن هناك تغيرا كونيا سيعصف بالكرة الأرضية يؤثر في جيولوجيتها وفي نمط سيرها حول نفسها وحول الشمس .
وإذا ربطنا هذه العلامة بما يقع في زمن الدجال ؛حيث يكون يومه الأول كسنة ويومه الثاني كشهر أصبح عندنا تصور إلى أن آخر مراحل اضطراب الكرة الأرضية يكون في عهد الدجال ؛ أي أن الكرة الأرضية في بادئ الأمر ونتيجة لأمر كوني تسرع في دورانها حول نفسها وفي دورانها حول الشمس ، ثم تأخذ بالبطء في دورانها حول نفسها ، فتكمل دورتها الأولى في سنة كاملة (_ ) ، و دورتها الثانية في شهر ، ثم تبدأ في العودة التدريجية لوضعها الطبيعي ، وتبدأ بالاتزان .
وكلامنا هذا في حالة واحدة ، وهي اعتبار تقارب الزمان على حقيقته ، وهو ما أرجحه لقرائن عدة تدل عليه  ، ولكن نظراً لطبيعة اللغة العربية ومرونتها بحيث يحمل الكلام على الحقيقة تارة ، وأحيانا يحمل على المجاز والكناية ذكر العلماء عدة احتمالات أخرى لمراد النبي r من تقارب الزمان منها :
1-     المراد بتقارب الزمان هنا نزع البركة من كل شيء حتى الزمان ، فيصير الانتفاع باليوم كالانتفاع بالساعة ، وهذا الاحتمال وإن كان يتناسب مع حال انتشار الشرور والمعاصي في عصرنا ، إلا أنه بخصوص الوقت بالذات غير ملاحظ ، بل الملاحظ خلافه ، لأن ما نراه في عصرنا أن القدرة على الانتفاع بالوقت بسبب كثرة الاختراعات قد زاد عن الأزمنة السابقة ، فحرث أرض معينة إذا كان يستغرق في الماضي أياماً ، أصبح في عصرنا يستغرق ساعات .
2-               المراد بتقارب الزمان استواء الليل بالنهار . وهذا الاحتمال في ظني بعيد
3-      المراد تقارب أهل ذلك الزمان في الشر والفساد والجهل . وهذا احتمال بعيد وسياق الحديث برواياته لا يدل عليه
4-      يراد بذلك قرب يوم القيامة ، واستدلوا بحديث رسول الله r : إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا النبي تكذب ، وهذا الاحتمال في ظني بعيد جداً ، بل الحديث يشهد لما ذكرت سابقاً بأن تقارب الزمان على حقيقته ويمثل مرحلة تضطرب فيها الكرة الأرضية .
5-      المراد به استلذاذ العيش الذي يقع في زمان المهدي t وعيسى r ؛ لدرجة أن الناس تستقصر مدة الرخاء ، والأيام السعيدة سريعة الانقضاء ، وهذا الاحتمال بعيد ؛ لأن سياق الأحاديث يشير إلى فساد الحال وظهور الفتن ، وهذا المعنى لا يتناسب مع أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج وغيرها .  ([2])    
6-      تقارب الزمان يفسر بما وقع في العصر من تقارب بين المدن والأقاليم ، وقصر زمن المسافة بينها بسبب اختراع وسائل المواصلات والاتصالات المتعددة ، بحيث أصبحت المسافات التي تقطع بين البلاد في الماضي بالأشهر ، تقطع في عصرنا بالساعات ، والخبر الذي يحتاج انتقاله من بلد إلى أخرى في الماضي أشهراً أو سنين ، أصبح ينتقل في عصرنا في لحظات ، وهذا نوع من تقارب الزمان .
7-      يمكن إضافة احتمال سابع نشعر به في زماننا ، وهو انفتاح الدنيا ، وكثرة متطلباتها مما يجعل الوقت لا يفي بها جميعاً ، فتمر الأيام سراعاً دون الشعور بها ؛ أي أن الوقت يكون أقصر من متطلبات حياة الإنسان ، فيشعر الإنسان بمرور الوقت سريعاً دون الاستفادة منه على الوجه المطلوب ، وهذا الاحتمال ملاحظ في زماننا،و عليه يحمل قول الكثيرين بأنهم يشعرون بسرعة مرور الأيام والسنين .
هذه بعض الاحتمالات التي ذكرها العلماء في تفسير مراد النبي r من قوله يتقارب الزمان ، والناظر إليها يرى أن أرجحها هو السادس ، ويأتي بعده في الرجحان  - في ظني  الاحتمال السابع .
يتحصل مما سبق القول : إما أن تقارب الزمان على حقيقته ، ويراد به قصر الوقت ، وهذا متصور حال اضطراب الأرض ، والبعض يستبعد ذلك ، وفي ظني أنه الراجح ؛ لأن الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى ، وما ألفناه بالنسبة لحال الأرض قد يتغير بكل لحظة ، وقد مر على الكرة الأرضية تغيرات كبيرة في الدهور السحيقة ، وقد يقع مثلها في المستقبل ، فالأمر ليس ببعيد وتوقعات العلماء لا تستبعده  .
وإما أن يراد بتقارب الزمان معنى مجازياً ، كما ذكرنا في الاحتمال السادس والسابع .
والأصل ألا نعدل عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي إلا في حال تعذر حمل الكلام على المعنى الحقيقي ، وهنا لا تعذر ، أو في حال وجود قرينة تصرف الكلام من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي ، وهنا لا توجد قرينة صارفة ، بل على العكس هناك قرائن معززة للمعنى الحقيقي (_ ) ، وهو الحديث الذي صدرت فيه كلامي على هذه العلامة .
واختم هذه العلامة بكلمات شاملة أوردها ابن حجر عن ابن أبي جمرة (__)   : » يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصره  وعلى هذا يحتمل أن يكون حسياً ، ويحتمل أن يكون معنوياً ، أما الحسي فلم يظهر بعد ، ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة ، و أما المعنوي فله مدة منذ ظهر ، يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعمـلونه قبل ذلك ، ويشـكون ذـلك ، ولا يدرون العلة فيه  (___ )      . «  ([3])   


([1])  أخرجه أحمد  برقم 10943 [ المسند بتحقيق الأرناؤط ( 16/550) ] ؛ وأبو يعلى برقم 6680 ( 12/32) ؛ والطبراني في الكبير برقم 430 ( 24/169) ؛ ، والحديث إسناده حسن و له شاهد عند الترمذي عن أنس t [ العدوي : الصحيح المسند ( 417) ] و صححه الألباني  [ قصة المسيح الدجال ( 111) ]
(_ ) قد يقول البعض أن اليوم كسنة ليس على حقيقته ؛ بل هو كناية عن شدة هذا اليوم ، وهذا التصور ضعيف لوجود شاهد في الحديث ، وهو استفسار الصحابة عن طبيعة العبادة في هذا اليوم ، فقال النبي r : اقدروا له قدره . مما يدل صراحة على أن الطول الزمني لهذا اليوم هو سنة حقيقية . وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل الخاص عن الدجال .
([2])  انظر فتح الباري ( 13/18 وما بعدها ) ]
(_ ) من هذه القرائن : الحديث الخاص ببيان أيام الدجال ، وكيف استغرب الصحابة من ذلك مما يدل أنه يرونه على حقيقته ، وجاءت إجابة النبي r معززة لتصورهم ، وما يقال في أيام الدجال يقال في تقارب الزمان ، ومن القرائن أيضاً أن النبي r بين النسبة التقريبية بين السنة والشهر والجمعة مما يدل على أن الأمر على حقيقته ، ومن القرائن أيضا ما سأبينه من مجموع أدلة سأوردها في موضوع الحدث الكوني الذي سيسهل علينا تصور المسألة .
(__ ) ابن أبي جمرة : عبد الله بن سعد الأزدي الأندلسي ، مالكي من علماء الحديث اختصر صحيح البخاري ويعترف بمختصر ابن أبي جمرة ، وله عدة مؤلفات منها : جمع النهاية وهو المختصر السابق  ، وبهجة النفوس والمرائي الحسان ، توفي سنة 695 هـ  [ الزركلي : الأعلام ( 4/89) ] 
(___ )  يلحظ من كلام ابن أبي جمرة أنه يرجح الاحتمال الأول ، وهو نزع البركة من الوقت ، وهذا المعنى ملاحظ في زماننا ، كما أنه لاحظه أسلافنا كابن أبي جمرة ؛ إلا إنه وفق التوجيه الذي أوردته ، أرى أن هذا الاحتمال بعيد .
([3])  فتح الباري ( 13/19)
NomE-mailMessage