JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

سلسلة العلامات الصغرى (العلامة الأولى : قبض العلم )

 } العلامة الأولى : قبض العلم {

وهذه العلامة جاء ما يشرح المراد بها في أحاديث أخرى منها :

/ - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما  قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r  يَقُولُ : } إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ،  وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا  {  ([1])    

شرح :

الحديث صريح في بيان كيفية قبض العلم ، وذلك بقبض العلماء ، والأصل أن العلم يتوارث إذا بقي في الأمة الاستعداد لحمل تبعات الرسالة ، لكن إذا فسد حال الناس وزهدوا في طلب العلم وتحمل تبعاته ،  وانحصر العلم في حملته فقط ، فإنه يترتب على ذلك أن قبض كل عالم في ذلك الزمان إنما هو قبض لعلمه ؛ لأنه لم يتحمله عنه غيره ، وبقبض العلماء في زمان يزهد الناس فيه في طلبه يقبض العلم ، ويستقر أمر الفتوى –وهي أعلى مراتب العلم (_ )   – بيد الجهال ، فيكون على يديهم ضلال الناس .وقد ورد في أثر عن الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة أن النبي r إنما قال ذلك في حجة الوداع وفيه : }  لَمَّا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r  وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُرْدِفٌ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى جَمَلٍ آدَمَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ .. فَقَالَ أعرابي  لَهُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا وَعَلَّمْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَّنَا وَخَدَمَنَا ؟ قَالَ : فَرَفَعَ النَّبِيُّ r  رَأْسَهُ ، وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَهُ حُمْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ . فَقَالَ : أَيْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُوا بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ . أَلَا وَإِنَّ مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ . {  ([2])   

فالأثر السابق يبين لنا أهمية بقاء حملة العلم في الأمة ، وفيه بيان أن بقاء العلم في الكتب لا ينفع مع فناء العلماء الذين يبينون المراد منه ، وقد جاء في أثر آخر ما يشير إلى أن قبض العلم أحد أسباب ثلاثة لضياع الأمة و تنكبها عن صراط الله سبحانه وتعالى ، وعن نهج الشريعة ، فعَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قال : }  لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا ثَلَاثٌ مَا لَمْ يُقْبَضِ الْعِلْمُ مِنْهُمْ ، وَيَكْثُرْ فِيهِمْ وَلَدُ الْحِنْثِ  ، وَيَظْهَرْ فِيهِمُ الصَّقَّارُونَ . قَالَ : وَمَا الصَّقَّارُونَ أَوِ الصَّقْلَاوُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَشَرٌ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَحِيَّتُهُمْ بَيْنَهُمُ التَّلَاعُنُ . {  ([3])  

وأرى أن هذه العلامة – أي قبض العلم -  بهذا الشكل قد تكون بعد عيسى r ، حيث يبدأ الأمر بالانحسار ، فتكون أول علاماته قبض العلماء ، ثم رفع القرآن ، ثم غياب رسم الدين من حياة الناس ، فلا يبقى من يقـول لا إله إلا الله ، أو يقول الله ، عندها تقوم الساعة .

ويحتمل أن يراد بها ما نعيشه الآن ، أو في الزمان الماضي القريب من ندرة العلماء الربانيين ؛ وإن كان قد كثر من ينتسب لعلم الدين ، ولكن قليل منهم من اتضحت معالم الرسالة لديه ، وحدد هدفه من علمه ، وهو ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى ، والدار الآخرة ؛ وغياب هذا الهدف عند من يحمل علم الدين أخطر على الأمة من غياب العالم نفسه .  لطيفتان

1- نقل البخاري عن  ربيعة الرأي قوله : » لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه . «  ([4])   

يعقب ابن حجر على كلام ربيعة : » ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه ، فيترك الاشتغال ، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم ، أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم ، أو مراده أن يشهر العالم نفسه ، ويتصدى للأخذ عنه ، لئلا يضيع علمه ، وقيل مراده تعظيم العلم، وتوقيره ،فلا يهين نفسه بأنه يجعله عرضة للدنيا. « ([5])   

2- من علامات قبض العلم ورفعه عدم الاستفادة منه في الحياة العملية ، وهذا المعنى أشار إليه النبي r في حديث أبي أمامة من عدم انتفاع الأمة بالقرآن كما لم ينتفع اليهود والنصارى من التوراة والانجيل ، وهذا فيه إشارة إلى حالة فصل بين الجانب التثقيفي ، والجانب التطبيقي ، وإذا لم يترجم العلم في الواقع أصبح حجة على حامليه ، وأصبح كالمقبوض أو المرفوع حكماً ، أو يصبح مثل حامله كحمار يحمل أسفاراً ، وهذا المعنى أشارت إليه بعض الروايات بأن من علامات الساعة أن يكون الزهد رواية ؛ أي يقتصر على جانب ذكره لا تطبيقه ، وفي بعض الآثار أن عبادة بن الصامت t  قال لجبير بن نفير بعدما حدثه حديث رفع العلم عن أبي الدرداء t : » صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا. «  ([6])   

فالخشوع حالة قلبية ، وقد جاء تسميته بالأثر بأنه أول علم يرفع ، وفي ذلك إشارة إلى أن حقيقة العلم في نوره ، ونوره في تطبيقه ، فإذا نزع التطبيق من الأمة قبضت حقيقة العلم من حياتهم .

وعلى هذا الوجه يمكن القول بأن قبض العلم حكماً قد بدأت إرهاصاته من عهد طويل .

كذلك من أشكال قبض العلم طلب الدنيا به ، أو تحويله مطية لأصحابه يستأكلون به العاجل بالآجل ،يقول الله سبحانه وتعالى : }  وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {  ([7])   

 وهذا التوجه مما ابتليت به الأمة ، وهو من أخطر أمراضها ؛ لأن العلماء مؤتمنون على الدين ، والأصل فيهم ألا يبتغوا بعلمهم إلا وجه الله ورفعة دينه ، إضافة إلى توجيه الناس من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية ، فهذا هو المعنى الأهم الذي ورثه العلماء من الأنبياء ؛ فإذا غاب هذا المعلم على من ائتمن عليه فهذه هي الطامة الكبرى ، ويترتب على ذلك أن من عنده آثارة من علم ، فإنه سيجتهد في استثمارها لنيل مآربه من الدنيا ؛ وتوظيفها  لهذا الغرض ، فيستحل بها الحرام ، ويتتبع الرخص ، ويصرف الناس باسم العلم

أو الدين عن المعالم الحقيقية لدين الله مزينا لهم دنياهم ، مفسداً لهم آخرتهم .

وقد أعجبتني رسالة أوردها الإمام الدارمي  لعباد بن عباد الخواص الشامي وجهها  لأهل العلم اخترت منها قوله : » .. اتقوا الله فإنكم في زمان رق فيه الورع ، وقل فيه الخشوع ، وحمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعرفوا بحمله ، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته فنطقوا فيه بالهوى ،  لما ادخلوا فيه من الخطأ وحرفوا الكلم عما تركوا من الحق إلى ما عملوا به من باطل . فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها ، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به ، كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائرا ، أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها ، فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول ، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم ، فلم يتبرءوا مما انتفوا منه ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم  «  ([8])   

أقول : سبحان الله ! كلمات معبرة تحكي بعض أهل العلم في خير القرون _ القرن الثاني للهجرة - كما يرى عباد بن الخواص ، فكيف بحالنا في هذا العصر وماذا نقول عن أهله ؟ وماذا نقول عن أنفسنا ؟ نسأل الله العفو والعافية .


([1])  أخرجه البخاري في العلم برقم 100 [ البخاري مع الفتح ( 1/234) ] ؛ ومسلم في العلم برقم 2673 [ مسلم بشرح النووي ( 4/440) ]

(_ ) لعظمة علم الفتوى عنون الإمام ابن القيم كتابه الخاص بالعلوم المؤسسة للاجتهاد و الفتوى باسم » إعلام الموقعين عن رب العالمين « ؛ حيث اعتبر مقام المفتي  والاجتهاد المفضي لها بمثابة الموقع عن رب العالمين ، والمبين لمراده في الأرض ، وأي مقام يدنو من هذا المقام .

([2])  أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار برقم 22353 ، وفيه علي بن يزيد ، ضعيف  [ المسند (5/314) ] ؛ وله شاهد عند الدارمي عن أبي الدرداء برقم 288  [ مسند الدارمي ( 1/99) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير ، وعند ابن ماجة طرف منه ، وإسناد الطبراني أصح ؛ لأن في إسناد أحمد على بن يزيد وهو ضعيف جداً ، وهو عند الطبراني من طرق فيها الحجاج بن أرطأة  ، وهو مدلس صدوق يكتب حديثه [ مجمع الزوائد (1/200) ]

([3])  الحديث أخرجه أحمد في مسند المكيين ،  وسنده  ضعيف فيه ابن لهيعة ؛ إلا أن  المتن له شواهد في الصحيح ، خاصة المقطع الأول فيه وهو الذي يعنينا من الحديث [ المسند ( 3/536) ]؛ والطبراني [ المعجم الكبير ( 20 / 195) ]  ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وزيان وكلاهما ضعيف ،وقد وثقا [ مجمع الزوائد ( 1/202) ] ؛ وأخرجه الحاكم في الفتن برقم 8371 ، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ المستدرك ( 4/491) ]

([4])  البخاري مع الفتح ( 1/213)

([5])  فتح الباري ( 1/214)

([6])  أخرجه الترمذي في العلم برقم 2791، وقال عنه حسن غريب . [ تحفة الأحوذي (7/412)]  ؛ و  الدارمي في المقدمة برقم 288 [  مسند الدارمي ( 1/99) ]  ؛ والحاكم برقم 337 ، وقال : هذا صحيح ، وقد احتج الشيخان بجميع رواته [ المستدرك ( 1/178) ] ؛ قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ، وإسناده حسن [ مجمع الزوائد (2/136) ]؛ والحديث له عدة شواهد عند ابن حبان عن أوس بن شداد [ صحيح ابن حبان (10/ 433) ( 15/ 115) ] 

([7])  الأعراف:176

([8])  سنن الدارمي  (1/  168)

NameE-MailNachricht